• تدور أحاديث كثيرة في أوساط أدبية وثقافية مختلفة ومتعددة عن بخل توفيق الحكيم، الذي يصف سلوكه هذا بالحرص لا البخل. ويؤكد على هذا السلوك ما دار في مقطع على اليوتيوب في بضع دقائق يروي فيه توفيق الحكيم عن موقفه مع الفنانة المصرية أم كلثوم، التي كانت تجمع تبرعات بصفتها نقيبة الموسيقيين، وحدث أن طلبت في أحد اللقاءات التي جمعت الأدباء والمثقفين، من العقاد أن يتبرّع فأعطاها ما طلبت، وكذلك فعل المازني وأسماء أخرى، وحينما وصلت للحكيم طلبت منه أن يتبرع، فأخرج لها المحفظة التي فتشتها فلم تجد فيها قرشا، فقال لها المازني (الذي وصفه الحكيم بالخبيث): «إنتي تدوّري في المحفظة، دوّري في علبة النظارة» وحينما فتشتها أم كلثوم وجدت فيها خمسة جنيهات فأخذتها!
ومن نوادر توفيق الحكيم التي يرويها عبدالرحمن بدوي في هذا الباب، أنّ الحكيم تركهم في إحدى الليالي التي سهر فيها مع ثلاثة من أصدقائه في مكان السهرة أثناء الاستراحة، بحجة أنه ذاهب إلى المرحاض، ولكنه لم يعد، وحين انتهت السهرة أخذوا تاکسي متوجهين إلى حيث يقيم، وأثناء مرورهم بميدان الأوبرا - في حوالى الساعة الثانية صباحا - أخذ يونس بحري يصيح بأعلى صوته ليسمعه توفیق الحكيم الذي كان يسكن في «الجراند أوتيل» المطل على هذا الميدان، موجها إليه عبارات نابية مضحكة، انتقاما منه لما فعله بهم.
أما حسين أمين في كتابه (شخصيات عرفتها) فقد أكد بخل الحكيم بقوله: كان بخيلاً، وإن أفلح ظرفه وفكاهته في إخفاء المعالم القبيحة لهذا البخل.. وقد حدث مرة أن أقبلت عليه في مجلسه مع أصحابه بمقهى «الشانزليزيه» على البحر في الإسكندرية، فما إن جلست حتى طلب لي من الجارسون فنجان قهوة «على حسابه»، وهو ما جعل الحاضرين يحملقون فيّ وقد فغروا أفواههم مصطنعين الدهشة، ويقولون: «فنجان قهوة لك على حساب الحكيم! إنه الفتح المبين يا أستاذ حسين!». وظل هو يقهقه لقهقهاتهم وتعليقاتهم!
• وبما أن الحديث عن البخل فقد ذكر حسين أمين أيضاً، أنّ حسن الكرمي صاحب البرنامج الإذاعي الشهير في إذاعة بي بي سي «قول على قول» كان بخيلاً في شؤون المال، لأنه لم يكن يراه في مطعم الإذاعة ساعة الغداء إلا وأمامه كوب من اللبن الزبادي لا يتجاوزه إلى غيره، إلا أنه يضيف إليه محاسن كثيرة منها عنايته الشديدة باللغة العربية لدى مذيعي الإذاعة، فقد كان يسجل في ورقة أمامه ما ينزلق إليه المذيعون من أخطاء في النحو أو النطق أو الترجمة، حتى إذا ما انتهت نوبة المذيعين في الاستوديو، وكان عليهم أن يأتوه في مكتبه على الفور ليسرد عليهم بيان هذه الأخطاء، كما أنه من شدة حرصه كان يفاجئهم في الغرفة المخصصة لمترجمي النشرات الإخبارية ليراجع ويصحح ما فرغوا من ترجمته من فقرات إضافة إلى أنه دودة كتب فلا حديث له إلا في ما يقرأ أو يكتب، في تصريف فعل أو أصل كلمة، ولا اهتمام له خارج حدود الكتب وعمله الإذاعي، ولا غرام يشغل قلبه غير الغرام باللغة العربية. فهو ملم بتراثها إلماما يندر أن تجده في غيره، ولا يكاد يبزه فيه غير الأستاذ محمود محمد شاکر.
• وبما أنّ هذه الثرثرة قد أتت على أبي فهر، محمود محمد شاكر فقد لفت انتباهي أثناء البحث في مواقع التواصل الاجتماعي كثرة التداول والاعتداد بآراء محمود شاكر التي تنتقص من جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وعبدالوهاب عزام وأحمد أمين والعقاد وطه حسين والكتاب المستنيرين حسين أمين ومحمد عمارة وفهمي هويدي وحسن حنفي ووصفه ما يكتبون بأنه عبث أطفال، ولعب عيال، فهم كما يقول أطفال، يقرأ أحدهم كتابين أو ثلاثة فيحسب نفسه مجتهدا ومؤهلا للكتابة عن الإسلام والإصلاح والاستنارة، ويستشهد شاكر بمحمد عمارة الذي وصفه بالصفاقة والادعاء والجهل، لأنه قال عن كتاب محمد عبده «رسالة التوحيد» إنه من أهم ما كتب في التراث الإسلامي في علم الكلام في حين يرى محمود شاكر أنّ كتاب «رسالة التوحيد» كتاب هزيل، حقير، غث، مؤلفه ضحل الثقافة! إلا أنني لم أقف على دحض للشبهات التي أوردها حسين أحمد أمين عن محمود شاكر نفسه، وأنه أثقل الناس وطأة، وأقلهم أدباً ومراعاة لمشاعر الآخرين، وأنه فظّ، ولديه إحساس عميق بالفشل رغم ثقافته الأصيلة ومواهبه الجمّة!
بدوي وصف
أحمد أمين بـ«الحقود»
• في ثرثرة سابقة ذكرتُ أنّ عبدالرحمن بدوي في سيرته الذاتية (سيرة حياتي) قال عن أحمد أمين إنه رجل حقود، ضيّق الأفق، تأكل الغيرة قلبه من كلّ متفوق ومن كلّ متقن للغات أجنبيّة، لأنه كما يقول بدوي لا يعرف لغة أجنبية فيما عدا قشوراً تافهة من أوليات اللغة الإنجليزية، ومع ما يقرّ به حسين أمين من إتقان والده اللغة الإنجليزية قراءة وجهله بها كتابة وتحدثاً إضافة إلى ما ذكره الدكتور عبدالله الرشيد في مقالته الأسبوعية في «عكاظ» تحت عنوان (حكايات أحمد أمين وابنه) من إقرار حسين أمين بضعف والده في جوانب خطيرة في الثقافة فهو لا يعرف شيئا عن الموسيقى الغربية ولا يقرأ قصصا أو مسرحيات ولا يعرف شيئاً عن الأوبرا والباليه ولا عن فنّي التصوير والنحت ولا أظنه زار متحفاً للفنون في مدينة أوروبية إلا من قبيل الواجب إلا أنّ حسين أمين يرجع هذا المقت الذي يحمله عبدالرحمن بدوي لأبيه إلى رفضه وهو عميد الكلية السماح له بتجاوز شروط اللائحة الخاصة بتسجيل رسائل الماجستير ولأنه كان وهو صاحب امتياز مجلة (الثقافة) يجيز نشر مقالات تعدد الأخطاء التي انزلق إليها بدوي في بعض مؤلفاته.
• أما الشيخ محمد أبو زهرة صاحب المؤلفات الشهيرة عن أئمة الإسلام وأعلامه الكبار فقد ذكره جلال أمين في كتابه (ماذا علمتني الحياة) بأنّ شخصية الشيخ محمد أبو زهرة كانت مختلفة تماما. كان عالما مرموقا ومؤلفا شهيرا في الفقه الإسلامي، ولكن ما كان من الممكن أن يخمن أحد منا ذلك من مجرد حضور محاضراته والاستماع إليه. كان ضخم الجسم، طويلا عريضا، عالي الصوت، محبا للدعابة، لا يأنف من إثارة الضحك قبيل وأثناء المحاضرة حتى حول أمور حساسة تتعلق بالعلاقة بين الجنسين، إذ كان يدرس لنا - عدا أحكام المواريث - القواعد الشرعية في الزواج والطلاق، مما يصعب الكلام فيه في وقار تام مع شباب مراهق مثلنا. ويضيف جلال أمين، كان الشيخ أبو زهرة يصر قبل أن يبدأ المحاضرة على التحقق من أن كل البنات قد جلسن في الصفين الأولين، فإذا وجد طالبة تجلس في وسط المدرج، وبين بعض الطلبة الذكور، أمرها بأن تخرج من بينهم في الحال وأن تتقدم إلى الصفوف الأولى. كان هذا وحده جديرا بإثارة بعض الهرج من الطلبة والطالبات على السواء. أما إذا رأى طالبا يجلس بين الفتيات في الصفوف الأولى، فالتوبيخ يصبح أعنف والهرج أشد!
ومن نوادر توفيق الحكيم التي يرويها عبدالرحمن بدوي في هذا الباب، أنّ الحكيم تركهم في إحدى الليالي التي سهر فيها مع ثلاثة من أصدقائه في مكان السهرة أثناء الاستراحة، بحجة أنه ذاهب إلى المرحاض، ولكنه لم يعد، وحين انتهت السهرة أخذوا تاکسي متوجهين إلى حيث يقيم، وأثناء مرورهم بميدان الأوبرا - في حوالى الساعة الثانية صباحا - أخذ يونس بحري يصيح بأعلى صوته ليسمعه توفیق الحكيم الذي كان يسكن في «الجراند أوتيل» المطل على هذا الميدان، موجها إليه عبارات نابية مضحكة، انتقاما منه لما فعله بهم.
أما حسين أمين في كتابه (شخصيات عرفتها) فقد أكد بخل الحكيم بقوله: كان بخيلاً، وإن أفلح ظرفه وفكاهته في إخفاء المعالم القبيحة لهذا البخل.. وقد حدث مرة أن أقبلت عليه في مجلسه مع أصحابه بمقهى «الشانزليزيه» على البحر في الإسكندرية، فما إن جلست حتى طلب لي من الجارسون فنجان قهوة «على حسابه»، وهو ما جعل الحاضرين يحملقون فيّ وقد فغروا أفواههم مصطنعين الدهشة، ويقولون: «فنجان قهوة لك على حساب الحكيم! إنه الفتح المبين يا أستاذ حسين!». وظل هو يقهقه لقهقهاتهم وتعليقاتهم!
• وبما أن الحديث عن البخل فقد ذكر حسين أمين أيضاً، أنّ حسن الكرمي صاحب البرنامج الإذاعي الشهير في إذاعة بي بي سي «قول على قول» كان بخيلاً في شؤون المال، لأنه لم يكن يراه في مطعم الإذاعة ساعة الغداء إلا وأمامه كوب من اللبن الزبادي لا يتجاوزه إلى غيره، إلا أنه يضيف إليه محاسن كثيرة منها عنايته الشديدة باللغة العربية لدى مذيعي الإذاعة، فقد كان يسجل في ورقة أمامه ما ينزلق إليه المذيعون من أخطاء في النحو أو النطق أو الترجمة، حتى إذا ما انتهت نوبة المذيعين في الاستوديو، وكان عليهم أن يأتوه في مكتبه على الفور ليسرد عليهم بيان هذه الأخطاء، كما أنه من شدة حرصه كان يفاجئهم في الغرفة المخصصة لمترجمي النشرات الإخبارية ليراجع ويصحح ما فرغوا من ترجمته من فقرات إضافة إلى أنه دودة كتب فلا حديث له إلا في ما يقرأ أو يكتب، في تصريف فعل أو أصل كلمة، ولا اهتمام له خارج حدود الكتب وعمله الإذاعي، ولا غرام يشغل قلبه غير الغرام باللغة العربية. فهو ملم بتراثها إلماما يندر أن تجده في غيره، ولا يكاد يبزه فيه غير الأستاذ محمود محمد شاکر.
• وبما أنّ هذه الثرثرة قد أتت على أبي فهر، محمود محمد شاكر فقد لفت انتباهي أثناء البحث في مواقع التواصل الاجتماعي كثرة التداول والاعتداد بآراء محمود شاكر التي تنتقص من جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وعبدالوهاب عزام وأحمد أمين والعقاد وطه حسين والكتاب المستنيرين حسين أمين ومحمد عمارة وفهمي هويدي وحسن حنفي ووصفه ما يكتبون بأنه عبث أطفال، ولعب عيال، فهم كما يقول أطفال، يقرأ أحدهم كتابين أو ثلاثة فيحسب نفسه مجتهدا ومؤهلا للكتابة عن الإسلام والإصلاح والاستنارة، ويستشهد شاكر بمحمد عمارة الذي وصفه بالصفاقة والادعاء والجهل، لأنه قال عن كتاب محمد عبده «رسالة التوحيد» إنه من أهم ما كتب في التراث الإسلامي في علم الكلام في حين يرى محمود شاكر أنّ كتاب «رسالة التوحيد» كتاب هزيل، حقير، غث، مؤلفه ضحل الثقافة! إلا أنني لم أقف على دحض للشبهات التي أوردها حسين أحمد أمين عن محمود شاكر نفسه، وأنه أثقل الناس وطأة، وأقلهم أدباً ومراعاة لمشاعر الآخرين، وأنه فظّ، ولديه إحساس عميق بالفشل رغم ثقافته الأصيلة ومواهبه الجمّة!
بدوي وصف
أحمد أمين بـ«الحقود»
• في ثرثرة سابقة ذكرتُ أنّ عبدالرحمن بدوي في سيرته الذاتية (سيرة حياتي) قال عن أحمد أمين إنه رجل حقود، ضيّق الأفق، تأكل الغيرة قلبه من كلّ متفوق ومن كلّ متقن للغات أجنبيّة، لأنه كما يقول بدوي لا يعرف لغة أجنبية فيما عدا قشوراً تافهة من أوليات اللغة الإنجليزية، ومع ما يقرّ به حسين أمين من إتقان والده اللغة الإنجليزية قراءة وجهله بها كتابة وتحدثاً إضافة إلى ما ذكره الدكتور عبدالله الرشيد في مقالته الأسبوعية في «عكاظ» تحت عنوان (حكايات أحمد أمين وابنه) من إقرار حسين أمين بضعف والده في جوانب خطيرة في الثقافة فهو لا يعرف شيئا عن الموسيقى الغربية ولا يقرأ قصصا أو مسرحيات ولا يعرف شيئاً عن الأوبرا والباليه ولا عن فنّي التصوير والنحت ولا أظنه زار متحفاً للفنون في مدينة أوروبية إلا من قبيل الواجب إلا أنّ حسين أمين يرجع هذا المقت الذي يحمله عبدالرحمن بدوي لأبيه إلى رفضه وهو عميد الكلية السماح له بتجاوز شروط اللائحة الخاصة بتسجيل رسائل الماجستير ولأنه كان وهو صاحب امتياز مجلة (الثقافة) يجيز نشر مقالات تعدد الأخطاء التي انزلق إليها بدوي في بعض مؤلفاته.
• أما الشيخ محمد أبو زهرة صاحب المؤلفات الشهيرة عن أئمة الإسلام وأعلامه الكبار فقد ذكره جلال أمين في كتابه (ماذا علمتني الحياة) بأنّ شخصية الشيخ محمد أبو زهرة كانت مختلفة تماما. كان عالما مرموقا ومؤلفا شهيرا في الفقه الإسلامي، ولكن ما كان من الممكن أن يخمن أحد منا ذلك من مجرد حضور محاضراته والاستماع إليه. كان ضخم الجسم، طويلا عريضا، عالي الصوت، محبا للدعابة، لا يأنف من إثارة الضحك قبيل وأثناء المحاضرة حتى حول أمور حساسة تتعلق بالعلاقة بين الجنسين، إذ كان يدرس لنا - عدا أحكام المواريث - القواعد الشرعية في الزواج والطلاق، مما يصعب الكلام فيه في وقار تام مع شباب مراهق مثلنا. ويضيف جلال أمين، كان الشيخ أبو زهرة يصر قبل أن يبدأ المحاضرة على التحقق من أن كل البنات قد جلسن في الصفين الأولين، فإذا وجد طالبة تجلس في وسط المدرج، وبين بعض الطلبة الذكور، أمرها بأن تخرج من بينهم في الحال وأن تتقدم إلى الصفوف الأولى. كان هذا وحده جديرا بإثارة بعض الهرج من الطلبة والطالبات على السواء. أما إذا رأى طالبا يجلس بين الفتيات في الصفوف الأولى، فالتوبيخ يصبح أعنف والهرج أشد!